الأحد، 27 يونيو 2010

رقصة السندرلا الأخيرة



سعاد حسني:
ورقصة سالومي الأخيرة


سالومي التي رقصت عارية في آتون النار.
إيرما التي كانت تصطاد زبائنها من الشوارع والحانات.
رابعة العدوية التي أصبحت فكرة طازجة لتعذيب أجيال متباينة من الفنانات


كلهن سعاد حسني الأسطورة الغامضة التي ستظل شفرة مستعصية على الحل، لنكتشف سر أنثى مصرية كاملة خلقت من خلايا حية وميضة خالها العشاق من عجينة اختمرت اختمرت لتظل على حالها طازجة وحيية وساخنة إلى الأبد.
سعاد أول من اكتشف كذب الفكرة وسذاجتها، أدركت أنه المستحيل بعينه، أدركت أن كل الأشجار لابد أن تموت شائخة، كل الشموس مآلها الأفول، والأزهار إلى ذبوزل، كل الأشياء تمضي، لتبقى الذكرى في النهاية، خاصة ذكرى سعاد حسني التي لا تنحسر بالتقادم!!.
سعاد أدركت ذلك مبكرًا لكنها لم تتقبله، لماذا؟!، لماذا رفضت ما استقر في يقينها؟!، لماذا رفضت أن تمتد يد الأيام لتضع خطوطها على وجهها، وتضيف لجسدها الذي كان يحرك الغرائز والأفئدة أرطالاً من لحم مترهل لم يعد يحرك إلا نفسه؟!، رحلة من الوجود المشع إلى الوجود الفيزيقي.
ماتت سعاد، عادت جسدًا مهشمًا لوطن أدمن خوف النعام فاحتجب وانتقب وأطلق اللحى والشعارات وترك ساقيه عاريتين حتى الصرَّة، حاك الأنقبة من نسيج زجاجي لا يراه إلا المدعين الداعرين المتشدقين بكلام استمد قدسية مزيفة من أفكار ظلامية!!.
سالومي، إيرما، رابعة، سعاد، كلهن رقصت بالتناوب رقصتها الأخيرة على طريقتها، كلهن ارتشفن من رحيق الحياة بعد فقر، كلهن ذقن شظف العيش والتهمن خبز الحياة وارتوت أرواحهن بترياق الموسيقى وانطفأ سعير أجسادهن في فراش المدمنين للحوم الغزلان وعَرَق الرغبة وصهد الصدور المحمومة بشبق لا ينتهي!!.
لم يكن حليم رسولاً من بلاد تعشق الروح وتحتقر الجسد، لم يكن نبيًا معصومًا أو متصوفًا يهيم عشقًا، الفتلى الذي تأوه وغنى للهوى لا يمكن أن تشبعه لمست اليد، ولا تكفيه الابتسامات الصابحة ولا حتى القبل!!.
عاشق الروح نبي بلا أتباع، ولحليم ملايين الأتباع والمريدين والخلصاء والمحبين حتى الثمالة، لم تكن بنت القمر أولى الذائبات المؤمنات برسالة العندليب، لكنها آخرهن، ربما كانت أول وآخر زوجة لنبي العذارى، وربما كانت أول وآخر من كفر بدعوته في عز النهار، أول وآخر من رفض ممارسة الطقوس في الغرف المظلمة، فالفراشات تهوى الضياء وتذوب عشقًا فيه حتى لو احترقت، وسعاد فراشة جبلت على النور والنار مذ كانت صغيرة على كل شيء!!.
(نبي بلا أتباع) ديوان لصديقي الذي تعاظم في الغياب خالد الصاوي، وهو أحد أبناء جيلي المهمين الذين تفجَّر وعيهم والتفتوا إلى الحياة عندما كان حليم وسعاد لهما قوة جاذبية لا تحتاج لنيوتن كي يكتشف قدرتها الفائقة على اجتذاب الفتيان والفتيات، هي ذات القوة التي دفعتهما للالتصاق، لكنها انتزعت جسدها وفرَّت بروحها الوثابة إلى النور حين استفاقت على الظلام، وأحست أن إيمانها برسالة العندليب لا يكتمل إلا بالإشهار، كان ذلك في زمن لا تنتقب فيه الأوطان، في وقت لم يكن فيه تنظيم المحجبات قد صار جنينًا في رحم وطن لم يصب بعد بالعشوائية والفوضى والفزع والشعارات وصراعات الأحذية ولصوص البنوك والبلطجة ومن نصَّبوا أنفسهم حماة للدين والأخلاق وحزب سمعة مصر وقياداته من سوءات عصر متخم بأصحاب الحلول الراديكالية والأمور القذرة وحروب النساء والمناصب والنفوذ والمخدرات!!.
لم تشهد سعاد عودة (خالد صفوان) و(فرج) على سلم نقابة الصحفيين وشارع عبد الخالق ثروت وأمام مجالس الوزراء والشعب والشورى، سلمت نفسها قبل أن تدخل الثلاجات وترى الذبائح البشرية تسلخ وهي على قيد الحياة، سلمت نفسها قبل أن يتوعد مرشد إخوان حسن البنا للمعارضة بالحذاء، وقبل أن تجرحها دعاوى الحسبة وتصدمها دعاوى مدعيات (السينما النظيفة) في زمن البورنو كليب، فرَّت سعاد قبل عودة تشكيل (خالد صفوان - فرج) من جديد.
هل يمكن أن أتخيل عُملة أحد وجهيها (مصر) والآخر (سعاد)؟!!، هل أتجاوز إذا قلت أن سعاد = 2 × 1، دون أن تختل المعادلة؟!!.
كلهن لعب بالنار، كلهن ذهب إلى فراش الرغبة طواعية أحيانًا، وقسرًا في أكثر الأحايين، هو القاسم المشترك بينهن، لكن رابعة ومصر وحدهما قررا الاحتجاب، ثم الانتقاب عنوة!!.
رابعة ومصر التقيا (خالد صفوان) واعتصرهما (فرج)، لكن سعاد مثلت اللقاء والاعتصار، ومثلت سالومي وإيرما وزينب دياب وزوزو وملايين المصريات!!.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق