الأحد، 27 يونيو 2010

وزراء السينما المصرية









دفعوا الجمهور لتحطيم دور العرض في العام 1943:
وزراء السينما المصرية



يتم اختيار الممثلين لأداء أدوار الوزراء في السينما المصرية تمامًا بطريقة تختلف كثيرًا عن طريقة اختيار الوزراء في الواقع، فمن الممكن جدًا، اختيار وزير لا يصلح للاستوزار، لكن الممثلين الذين تم اختارهم ليكونوا وزراء على الشاشة جاءوا مناسبين للغاية، الراحل أحمد زكي لعب دور أحد وزراء تشابه الأسماء، أو وزراء الصدفة، في فيلم (معالي الوزير) للمبدع الكبير وحيد حامد، ووزراء الصدفة هم الوزراء الذين تم اختيارهم بطريق الخطأ لتشابه أسمائهم مع أسماء آخرين كانوا هم المقصودين بالوزارة، وكالعادة أكد زكي أداء شخصية الوزير الفاسد، وهي المرة الأولى التي يظهر فيها وزيرًا فاسدًا كشخصية رئيسة في الدراما، ويكون الوزير هو بطل الفيلم.
وتعاطي السينما المصرية مع شخصية الوزير ليس بالأمر المستحدث، وفساد الوزراء على الشاشة يعود إلى زمن الأبيض والأسود.


الأسلحة الفاسدة


في عهد الملك فاروق كان ظهور الوزراء على الشاشة أمرًا محفوفًا بالمخاطر، ففي كتاب (تاريخ السينما المصرية) للمؤرخ إلهام حسين نجد أن فيلم (من فات قديمة) الذي أنتج في العام 1943، قد تعرض لغضبة قوية من الجمهور الذي حطم دار العرض حيث كان الفيلم ينتقد حزب الوفد ورئيسه، رغم أنه وقت تصوير الفيلم كان الوفد خارج الحكم، وعندما انتهى تصوير الفيلم الذي لعب بطولته عبد الفتاح القصري وحسن فايق وميمي شكيب، وعند افتتاح الفيلم كان الوفد قد عاد للحكم، ليلقى الفيلم مصيره المحتوم على يد الرقيب الذي قضى على نصف مشاهده التي كانت توجه نقدًا لاذعًا للوزراء، وتلك الواقعة فجرت خوف المنتجين والمخرجين من التعرض لشخصية الوزير على الشاشة، ولهذا لم تظهر هذه الشخصية إلى بعد حين من خلال فيلم (الله معنا) من إنتاج العام 1955 للمخرج حلمي حليم، وبطولة عماد حمدي وفاتن حمامه وسراج منير، وهو أول فيلم يتعرض لشخصية الوزير في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر!!.


زكي رستم (وزير الأبيض واسود)


توالت الأفلام التي تعاطت مع شخصية الوزير في ستينيات القرن المنصرم، ومنها (نهر الحب) الذي جسد فيه الراحل زكي رستم شخصية الوزير الفاسد الطاغية المستبد، وتناول الفيلم الذي أخرجه الراحل عز الدين ذو الفقار ولعب بطولته عمر الشريف وفاتن حمامه شخصية الوزير من زاوية اجتماعية، وناقشت علاقاته غير الإنسانية بزوجته، وشذوذه السياسي والاجتماعي ومركَّبات النقص التي يعانيها وتجرفه لمزيد من القسوة والوصولية.


وزير القاهرة 30


أما أكثر الوزراء فسادًا على الشاشة فكان ذلك من خلال فيلم (القاهرة 30) أحد أفلام الستينيات البارزة للمخرج الراحل صلاح أبو سيف، وبطولة الراحل أحمد مظهر الذي أدى دور الوزير الذي يلهث خلف ملذاته، ويقع اختياره على فتاة فقيرة جسدت شخصيتها الراحلة سعاد حسني، ويرشح له أحد مرؤوسيه رجلاً معدمًا ناقمًا على الأوضاع متطلعًا لحياة تحميه من شظف العيش ليتزوج الفتاة التي يرغبها الوزير حتى يتسنى للأخير أن يقضي معها ساعات محمومة على فراش الزوج الذي لا يستطيع أن يدخل بيته حتى يقضي الوزير مهمته على فراش الزوج، واستطاع الفيلم أن يحاكي الظروف الاجتماعية والسياسية في ثلاثينيات القرن الماضي।
بعدها غابت شخصية الوزير عن الشاشة، اللهم إلا في عدد محدود من الأفلام وبصورة هامشية غير مؤثرة!!.


وزراء سينما التسعينيات


جاءت فترة التسعينيات من القرن العشرين ليتعاظم ظهور شخصية الوزير على الشاشة من خلال أدوار هامة وحيوية، ولوحيد حامد نصيب الأسد في تلك الأفلام، بداية من (الإرهاب والكباب)، بطولة عادل إمام ويسرا، وأخرجه شريف عرفة، وقد لعب فيه كمال الشناوي دور وزير الداخلية ببراعة، ثم قدم وحيد حامد (طيور الظلام)، بطولة عادل إمام ويسرا، وأخرجه شريف عرفة، ليقدم جميل راتب بإبداع شخصية الوزير مرشح الحزب في انتخابات البرلمان الذي يلجأ لمحام ألعوبان يلعب على كل الحبال، بعدها يقدم لنا وحيد حامد (النوم في العسل)، بطولة عادل إمام ودلال عبد العزيز، وأخرجه شريف عرفة، ويؤدي فيه الفنان نظيم شعراوي شخصية وزير الصحة، وهو وزير ليس بغريب عن المصريين، فشعاره (كل شيء تحت السيطرة، واحنا عاملين حسابنا كويس)، ويصر الوزير على ذلك حتى يصاب كل الرجال في البلد بالعجز الجنسي!!.


وزير (الواد محروس)


وعاد كمال الشناوي لتشخيص دور الوزير، بفيلم (الواد محروس بتاع الوزير) للمخرج نادر دياب، وبطولة عادل إمام، وكتبه يوسف معاطي، وهو وزير ضعيف أمام النساء، وكذلك أمام زوجته، يقوده عسكري المراسلة محروس، وكل الأفلام سالفة الذكر التي كتب معظمها وحيد حامد هي أفلام كوميدية بالأساس، عكس الأفلام التي قدمت شخصية الوزير في فترة سابقة!!.


وزير زمن المرأة الحديدية


أما فيلم (هدى ومعالي الوزير) الذي أخرجه سعيد مرزوق ولعب بطولته نبيلة عبيد ويوسف شعبان الذي قدم صورة للوزير المنحرف بإغواء المال، والفيلم تعرض لقصة واقعية بطلتها هدى عبد المنعم المعروفة إعلاميًا باسم (المرأة الحديدية) صاحبة العديد من قضايا القروض، والمحبوسة حتى الآن، وخلال أحداث الفيلم تحقق هدى أحلامها وطموحاتها بالطرق الملتوية فتحتاج لحماية حكومية، فأوقعت الوزير في براثنها لتحصل على حمايته، واستخدمته في الخروج من المطار هاربة بأموال الناس، بعيدًا عن يد القانون، وبالفعل جسد يوسف شعبان شخصية الوزير الفاسد بإتقان ليضاف لقائمة وزراء السينما المصرية التي ضمت زكي رستم وجميل راتب وأحمد مظهر وكمال الشناوي!!.
وبالطبع كانت هناك أفلام أخرى قدمت شخصية الوزير لكن كان الظهور باهتًا حتى قدم لنا الكاتب وحيد حامد (عمارة يعقوبيان) الذي أخرجه مروان حامد، ولعب بطولته نخبة من الفنانين، بينهم خالد صالح الذي قدم شخصية الوزير عضو الحزب بصورة رائعة، وتردد بين عدد من النقاد كما تردد بين الجماهير التي شاهدت العرض أن الشخصية التي يؤديها صالح على الشاشة لها نظير في الواقع، وبصرف النظر عن هذا التخمين لنا أن نشيد بأداء صالح لدور الوزير كما أشدنا به مرارًا وتكرارًا في أدوار كثيرة!!.
ونخلص الآن إلى أن السينما المصرية تعاطت مع شخصية الوزير بتفاوت واضح من شخصية سطحية مجردة ومهمشة إلى شخصية ثرية مؤثرة وفاعلة في الدراما!!.

هناك تعليق واحد: