الأربعاء، 7 أبريل 2010

السادات الموهوب







ممثل بارع وكاتب محترف:
السادات الموهوب


البعض لا يعرف أن الرئيس الراحل أنور السادات كان يمتلك موهبة كبيرة في التمثيل، التمثيل بمعناه الحقيقي الذي مارسه حتى في الحياة، فلعب السادات دورا مهما من مع الراقصة الأشهر سياسيا حكمت فهمي ضد الإنجليز لمصلحة الألمان، وبالفعل تمت محاكمته في أكتوبر من العام 1942، ويرجع ذلك لعلاقته بجاسوسين ألمانيين هما "إبلر" و"ساندي"، وبعدها طُرِدَ السادات من الجيش وسجن، إلى أن تمكن من الهرب والاختفاء، وعمل أثناء فترة الهروب الكبير في مهنٍ مختلفة، أعانه على أدائها موهبة التمثيل، فظهر حمَّالا وسائقا، وكان بارعا في أداء كل شخصية، متفننا في اختيار الملابس والإكسسوارات اللازمة، مبدعا لطريقة الحديث بلسان الشخصية التي يؤديها على مسرح الحياة أينما ذهب، ومهما كان الدور الذي يؤديه بعيدا عن شخصيته الحقيقية التي فطر عليها، ليلعب بعد ذلك دورا وطنيا في العام 1946، حين شارك في اغتيال أمين عثمان وزير المالية في الحكومة الوفدية، والذي كان يعد من أكبر المؤيدين للمستعمر البريطاني، فيصير السادات بعدها ملء السمع والبصر، سيما في الإعلام، وقضى في سجن القلعة 30 شهرا، نصفها اعتقل في الحبس الانفرادي بزنزانة تحمل الرقم 54، بعدها برأت المحكمة ساحته في العام 1948. وقد انتهز فرصة الاعتقال الطويلة في الاهتمام بميوله الأدبية، والكثير ممن اطلعوا على سيرته يعرفون إنه أحد الكتبة الكبار، كما له علاقة بالصحافة ثابتة وموثقة، وقليلون يعلمون أن موهبة السادات في التمثيل كانت هي الدافع والمعاون له في تقليد أصدقائه وقادته وبعض الفنانين الكبار، وقد منحه الله وفرة في خفة الظل، حتى إنه أصدر في المعتقل صحيفة تحت عنوان "الهنكرة والمنكرة"، الأكثر من ذلك إنه بمعاونة رفقائه كان قد أسس في المعتقل إذاعة – بدون بث – لها برامجها اليومية التي يعلن عنها تشمل عددا من البرامج المختلفة منها على سبيل المثال برنامج للأطفال – رغم عدم وجود أطفال في المعتقل بالطبع – باسم برنامج "بابا أنور"، وغيره من البرامج ذات الطابع الساخر التي ذكرها السادات نفسه في كتاب بعنوان "30 شهرا في السجن"، وبالفعل كان السادات شخصية ثرية متعددة الجوانب والمواهب، أهمها التمثيل والكتابة، فعمل صحفيا على دراية بأبجدية العمل الصحفي، فعمل على سبيل المثال بمجلات عدة، منها "الهلال" والمصور"، وخلالها واتته الفرصة لنشر تفاصيل فترة اعتقاله، وذكراياته في سجن القلعة، فضلا عن العديد من القصص القصيرة التي يجيدها ويعشقها، ثم عاد السادات إلى الخدمة العسكرية في 15 يناير من العام 1950 بتدخل من الملك شخصيا، وكان وقتها برتبة يوزباشي، قصة العودة للخدمة يرويها السادات في كتابه الأشهر "البحث عن الذات"، فيقول: بعد حريق القاهرة اتصلت بيوسف رشاد - صديق فاروق، ورئيس جهاز المعلومات بالسراي - ووجدته يأخذ كل ما أقوله أمرا مسلما، وإذن الطريق مفتوحٌ لتضليل الملك وتخديره، وكنت أقدم له معلومات خاطئة، وعندما يعرض علي منشورات الضباط الأحرار كنت أوهمه بأنها من خيال ضابط معروف بحب التظاهر، وعندما كانت تصل إليه بعض الحقائق كنت أعمل على تصويرها بأنها أكاذيب ومبالغات، وكنت أسعى للتعرف على أخبار الملك وخططه ونواياه، وعرفت بشعوره أنه لم يعد له مكان في مصر".
وانضم إلى تنظيم الضباط الأحرار، ومن فرط موهبته في التمثيل والتقمص لم ينته كما انتهى غيره من الأحرار حين التهمت الثورة أبناءها كالقطط.وكم حلم السادات في شبابه بأن يكون ممثلا، ولم يدر بخلد الشاب أنه سيكون بطلا على مسرح الأحداث في منطقة الشرق الأوسط، وإنه سيصير بطلا عالميا يختار ضمن أعظم مائة في تاريخ البشرية، ولأنه كان موهوبا فكم ظهر عليما بطرائق التعامل مع الكاميرات، فكانت له أجمل الصور وأكثرها تعبيرية بين رؤساء مصر، وربما قبل أن يحكم مصر، وهو أيضا ملك في استخدام تعبيرات الوجه، في حين يخاطب الشعب ترتسم آيات الحب على وجهه، وحين يتوعد خصومه نرى الشراسة واضحة في عينيه وحركة فمه، سيما حين قال على سبيل المثال: "الديمقراطية لها أنياب"، ولأنه مؤمن بالفن، ويعرف أن الفن الجيد هو الفن الذي يلتزم فيه كل مشارك بدوره، فحين يضع السادات سيناريو ما ويفاجأ بمن يخرج عن الناس ويحاول العبث بمشهد ما، يستشاط السادات غضبا/ فهو يريد أن يسير السيناريو وفق ما رسمه هو، وأن تظل المشاهد على ترتيبه لها، ولا يقبل الخروج عن الحوار الذي يكتبه هو بالحرف، ومن تلك المشهد التي حاول البعض الخروج عن النص خلالها هذا المشهد الذي جمعه بالطالب عبد المنعم أبو الفتوح نائب رئيس اتحاد طلاب جامعة القاهرة في واقعةٍ مشهورة حين صاح فيه: "إنني عودتك على الصراحة وليس على الوقاحة، ومشهد آخر جمعه بطالب إعلام حمدين صباحي الذي دخل على الخط أثناء حديث السادات إلى طلبة جامعة القاهرة، حيث أخذ حمدين يتغزل في عبد الناصر، وحكم عبد الناصر، وبطولة عبد الناصر، حتى اهتاج السادات، وظل يصرخ في وجه حمدين: "عيب"، عيب".
السادات الموهوب في التمثيل والكتابة هو من وقف أمام مجلس الأمة يستجمع طاقاته الإبداعية وحنكته السياسية ودهاءه الشخصي، فور توليه الرئاسة، وقال: "لقد جئت إليكم على طريق عبد الناصر وأعتبر ترشيحكم لي بتولي رئاسة الجمهورية، هو توجيه بالسير على طريق عبد الناصر، وإذا أدت جماهير شعبنا رأيها في الاستفتاء العام – بنعم - فإنني سوف أعتبر ذلك أمرا بالسير على طريق جمال عبد الناصر، الذي أعلن أمامكم بشرف، أنني سأواصل السير فيه على أية حال، ومن أي موقع"، وفي موضع آخر من الحديث يقول: "لقد وضعت لتفكيري كله قاعدةً واحدة، هي أن أبدأ كل تصرفٍ بسؤال محدد هو: ماذا كان يطلب منا لو أنه كان م زال بيننا؟، وكنت على ضوء معرفتي به، رفقة ثلاثين سنة، وزمالة نضال ومعركة وراء معركة، وفهم صديقٍ لصديق"، وفي أول خطاب له بعد انتخابه رئيسا، قال: "لقد تلقيت أمركم وادعوا الله أن يكون أدائي للمهمة التي كلفتموني بها على نحو يرضاه شعبنا، وترضاه أمتنا، ويرضاه المثل الأعلى الذي وضعه القائد الخالد عبد الناصر، وأعطاه كل شيء من الحياة إلى الموت".
والسينما كانت ركيزة في حياة السادات، فكان في كل بيت من بيوته قاعة عرض، ويقال أن قوائم عروض السينما كانت تأتيه بشكل دوري، وإنه كان يشاهد الأفلام حتى قبل عرضها على الرقابة، والمعروف أن السادات هو صاحب فكرة عيد الفن التي ماتت برحيله، وداوم على تكريم عددا من الممثلين سنويا، في مهرجان كبيرة ينقله التليفزيون.
الحلة العسكرية التي كان يرتديها السادات، والتي تصممها أرقى بيوت ا؟لأزياء الإنجليزية المتخصصة في هذا النوع من الملابس، والعصا الماريشالية المصنوعة من الذهب التي كان يتأبطها السادات، والبايب الكلاسيكي الضخم، كلها أردية والإكسسوارات تشي بأن صاحبها فنان ومبدع كبير، فظلا عن قوامه الممشوق، ولذا تم اختياره ضمن أكثر الناس أناقة في العالم.

هناك تعليق واحد: