الخميس، 15 أبريل 2010

البحث عن الحقيقة في ظل تواطؤ الذهنية الشعبية

صورة أدهم وأغراضه في متحف الشرطة
أبو العلا الذي عرف في الحكاية الشعبية بـ (بدران) يتأمل صورة أدهم في ثمانينيات القرن المنصرم




أدهم الشرقاوي قتيلاً
عبد الحليم الشرقاوي والد أدهم(اللطائف) تنشر خبر اغتيال الشقي أدهم الشرقاوي أدهم الشرقاوي الذي مات عن 23
سنة
أبو العلا الذي عرف باسم بدران






البحث عن الحقيقة في ظل تواطؤ الذهنية الشعبية:
أدهم الشرقاوي بين الحقيقة والأسطورة


الذهنية الشعبية تتواطأ بإصرار على تدشين بعض الشخصيات بصورة معينة تجافي الحقيقة، فشجر الدر التي عرفت باسم شجرة الدر ليست بهذا السوء الذي تفتق عن ذهنية تعيد تشكيل البشر حسب هواها، وصلاح الدين الأيوبي لم بملاك طاهر كما تم تصديره بصرف النظر عن أعماله العظيمة التي لا ينكرها أحد، سواء كان مستسلمًا للصورة المعلبة أو كان باحثًا عن الحقيقة في تكوين الشخصية، ومن هؤلاء الذين صنعت لهم الذائقة الشعبية عن قصد صورة تجافي الحقيقة، وفى عدد من مجلة (اللطائف) صدر في العام 1921، يمكننا الوقوف على ملامح تلك الشخصية التي تحولت بقدرة قادر إلى بطل شعبي، والصورة – حسب اللطائف – لمجرم لا علاقة له بروبن هود الذي دشنته الذهنية الشعبية وكتَّاب الملاحم .


وأدهم ينتمي لأسرة طيبة وكبيرة ومعروفة، حصل على قدر من التعليم، وبمجرد وصف عمه بأنه عبد المجيد (بك) الشرقاوي عمدة قرية (زبيدة) بإيتاي البارود، يمكننا أن نكون فكرة عن عائلته ووضعها الاجتماعي وظروفها الاقتصادية، وهو ما يشير إلى إن والد أدهم عبد الحليم الشرقاوى كان من أعيان محافظة البحيرة، لكن الأب يغيب عن كل الروايات التي تعاطت مع سيرة أدهم عند محطة مبكرة جدًا، فآخر ما تذكره الروزايات عن عبد الحليم الشرقاوي إنه أخرج ابنه من المدارس، بعدها لا نعرف هل مات الرجل أم واصل حياته إلى وقت ما، فتنقطع سيرة الرجل قبل ضلوع أدهم بالجريمة في العام ١٩١٧، قبل أن يستقبل عامه العشرين.
وعمومًا فإن صمت صحف تلك الفترة عن الإشارة إلى أبيه بخير أو بشر يوحى بأن فى الأمر سرا حجب عن الناس أو هو قد يوحى بأن العم عبد الحليم ومكانته حجر عليه للسفه، أو ساعد على تحطيمه بالمكر والدهاء وبالتقرب من السلطات لتؤول إليه العمدية، كما كان يحدث وقتها كثيرا بين الأقارب وأصحاب العزوة والحظوة في القرى، ونحن في مجتمعنا أن عما يشهد ضد ابن أخيه حتى ولو كان قاتلاً بالفعل إلا إذا كان القتيل من لحمه ودمه وهذا ما لا تذكره الجرائد، وعلى أكثر المألوف نجد العم يعفى من الشهادة أو نراه يكذب، مدعيا الجهل بما حدث، أما وقد تقدم العم لإثبات الجرم ضد ابن أخيه فإن الأمر يتعلق بثروة أو وضع اجتماعي رفيع، فإن شهادته ضد ابن أخيه تعني بالضرورة الرغبة في إزاحته كلية، وما دامت هذه الرغبة قائمة، فإن الأمر ينطوي على الشك في أن العم سلب ثروة أخيه أو انتزع العمدية منه بالعمالة لدى النظام والاحتلال معا، وعلى هذا النحو فإن ظاهر الأمر يوحي بأنه كان هناك صراع ضارٍ وعنيف على السلطة – حول منصب العمدية - فى قرية زبيدة، وتذكر (اللطائف) أن أدهم الشرقاوي بعد هربه من الليمان واختبائه في زمام قريته، كان يشيع الإرهاب في المنطقة، ليثبت للسلطات أن عمه (العمدة) عاجز عن حفظ الأمن، فيتم فصله من العمدية، ومع ذلك فقد تمسكت السلطات بعبد المجيد عمدة لناحيته، مما يعني أن العم كان مسنودا، ولم تؤثر في موقعه كل الجرائم التي ارتكبها أدهم، ولم ينجح العم في إرساء الأمن وحماية الناس، غير أن عمه بقى في منصبه، وظل موضع ثقة للسلطات.
الصفحة الأولى من اللطائف فالعام 1921 وفى أعلاها أدهم الشرقاوي وفى أسفلها الشاويش محمد خليل والأونباشي والعسكري الذين قتلوا أدهم متنكرين.

وطول الوقت كانت هناك محاولات للربط بين شخصية أدهم، وروبين هود في التراث البريطاني، ذلك اللص الشريف الذي يسرق من الأغنياء ليعطي الفقراء، فيصدر البعض إلى الذهنية الشعبية صورة رديفه في مصر، هو ذلك الثائر الشعبي على الطغيان وذيوله وعملائه في أحد أقاليم الدلتا، مما يعطي دلالة بمؤازرة أدهم للمظلومين والمقهورين من الواقعين تحت وطأة الظلم، وعلى هذا النحو استقرت أسطورة أدهم الشرقاوي في الوجدان الشعبي، وقد تحولت سيرته لمادة درامية ساقها وصاغها الضمير الشعبي ووثق لها لتشكل في النهاية إغواء سرديًا لكتاب الموال والرواة الشعبيين وكتاب الدراما أيضا كما أسلفت، بما تحقق لها من تراكمات وتضاعيف وإضافات بفعل توارث الحكاية بين الأجيال، فماذا عن أدهم الشرقاوي وفق الرؤية الرسمية؟، نحن نجد إجابة واضحة وقاطعة عن هذا السؤال بمجلة (اللطائف) في العام ١٩٢١، والتى نشرت إثر مقتل أدهم الشرقاوي تقول بالحرف: "المجرم الأكبر الشقي الطاغية أدهم الشرقاوي بعد أن طارده رجال الضبط والبوليس واصطادوه فأراحوا البلد من شره وجرائمه"، وتستطرد اللطائف: "ولد أدهم عبد الحليم الشرقاوى نحو عام ١٨٩٨ ولقى مصرعه في أكتوبر ١٩٢١، فكأنه مات عن ٢٣ عاما بعد أن دوخ الحكومة المصرية نحو ثلاث سنوات، ولد بناحية زبيدة من بلاد مركز إيتاى البارود، وألحقه أبوه بالمدارس الابتدائية حتى أتم دروس السنة الرابعة، ثم أخرجه أبوه من المدارس حين لمس عدم استعداده لتلقى العلوم، ولوحظت عليه العدوانية، فكان يعتدي على كل من يمسه بأبسط شيء"، - وأضافت (اللطائف): "وفي ١٩١٧ ارتكب حادثة قتل وهو في سن التاسعة عشرة، وكان عمه عبد المجيد بك الشرقاوي عمدة زبيدة أحد شهود الإثبات، وفى أثناء محاكمته أمام محكمة الجنايات سمع أدهم أحد الشهود يشهد ضده فهجم على أحد الحراس بقصد نزع سنجته ليطعن بها الشاهد، وحكمت المحكمة على أدهم الشرقاوي بالسجن سبع سنوات مع الأشغال الشاقة، فأرسل إلى ليمان طرة، وفى الليمان ارتكب أدهم الشرقاوي جريمة قتل أخرى، فقد تعرف هناك على أحد السجناء وأدرك من كلام هذا السجين أنه القاتل الحقيقي لأحد أعمامه، وأنه لم يقبض عليه في هذه الجريمة التي لم يقبض على أحد فيها لأن مرتكبها ظل مجهولا، وإنما قبض عليه في جريمة أخرى، ولما عرف أدهم الشرقاوي هذه الحقيقة غافل السجين ذات يوم وضربه على رأسه بالأداة التي يقطعون بها الأحجار فقتله، وهكذا حُكِم على أدهم الشرقاوي بالأشغال الشاقة المؤبدة، غير أنه هرب من السجن في اضطرابات ١٩١٩، واختفى في مكان ما في بلده، وهناك انضم إليه عدد كبير من الأشقياء، فكون منهم عصابة، وأخذ يرتكب الجرائم العديدة، وكان همه الوحيد أن يقتل عمه عبد المجيد بك الشرقاوي، عمدة زبيدة، لأنه كان أهم شاهد في قضيته الأولى، فكان يتربص به في غيطان الذرة، ولكنه عجز عن قتله لأن عمه كان شديد الحذر"، وتستدرك (اللطائف): "إن أدهم الشرقاوي ظل يرتكب الحوادث المخلة بالأمن من قتل وسطو ونهب في ناحية زبيدة، حتى يكون ذلك مدعاة رفت عمه من العمدية فلم يفلح أيضا، وعندما كبرت عصابته كان يتم استئجاره لارتكاب جرائم القتل، فقتل الكثيرين، وكان منهم خفير نظامي بـ (عزبة خلجان سلامة) وشقيقه الشيخ أبو مندور، وهو من أعيان المركز وآخرون، ثم أخذ يهدد العمد والأعيان ليبتز منهم مبالغ طائلة مقابل المحافظة على أرواحهم، فكانوا ينفذون ما يطلب خوفا من بطشه، وأخيرا هاجم أدهم الشرقاوي مع أحد أعوانه - وكانا ملثمين - الشيخ حسين السيوي، وهو من أعيان ناحية (كفر خليفة)، وكان أدهم الشرقاوي يطارده، وهاجمه بينما كان جالسا مع خمسة من أصدقائه أمام منزله يتحادثون ويلعبون الطاولة، وكان ذلك في الساعة العاشرة صباحا، أي في رابعة النهار، وصرخ فيهم أدهم الشرقاوي وأطلق رصاصة على الشيخ حسين السيوي فأرداه قتيلا، فدب الرعب في قلوب الأهالي، وكان أدهم الشرقاوي يسطو على التجار على قارعة الطريق نهارا ويسلب محافظهم وما يحملون، وعندما شاع الرعب بين الناس عززت الحكومة قوات الأمن فى المنطقة، وأكثرت من دورياتها، وتخاصم أدهم الشرقاوي مع أحد أقربائه وهو خفير اسمه محمود أبو العلا، فوشى به الخفير لدى البوليس، ودلهم على مكانه، وحين شددت الحكومة النكير على أدهم الشرقاوي وجدّت في مطاردته تركه أعوانه خوفا على حياتهم، أما أدهم فلم يخف بل ظل ينتقل بين مراكز إيتاى البارود وكوم حمادة والدلنجات، وأخيرا أرسل ملاحظ بوليس (التوفيقية) أحد الجاويشية،ه ويدعى محمد خليل، ومعه أومباشى سوداني، وأحد الخفراء، فكمنوا له في غيط ذرة بزمام عزبة (جلال)، وكان أدهم الشرقاوي في حقل مجاور من حقول القطن يتأهب لتناول غذائه الذي جاءته به امرأة عجوز، وكان يخفر أحد الخفراء النظاميين، ولما أحس أدهم الشرقاوي بحركة داخل غيط الذرة المجاورة أطلق عدة طلقات من بندقيته (الماروز) دفاعا عن النفس، ولكن الجاويش محمد خليل أطلق عليه رصاصتين فسقط قتيلا قبل أن يتناول شيئا من طعامه، ووجدوا معه نحو مائة طلقة وخنجرا"، وتصف (اللطائف) أدهم بإنه "لم يكن قوي العضلات بدرجة تمكنه من ارتكاب هذه الجرائم، ولكنه من أجرأ اللصوص والقتلة، فلا يبالى بالحكومة ولا ببطشها".
والحقيقة أن أدهم كان وفقًا لكل ما ورد عنه داهية كبرى، يستخدم العقل في الجريمة، أما تكوينه البدني فكان ضعيفًا جدًا، وعلى قدر من حلاوة الوجه يؤهله للتنكر، ومما ورد عن أدهم وما رأينه في الصور يوضح أنه كان أجروديًا، أي لم ينبت الشعر في وجهه!!.

هناك 6 تعليقات:

  1. احب ان اكون مثل ادهم الشرقاوى بسبب شجاعته وتفكيره الصحيح ولانه قتل فى سبيل بلده مصر ليرفع الظلم والشقاء و العزاب عن الفقراء ولانه كان يريد الرفعة ونهضة مصر و علوها و طرد الزين احتلوا مصر واريد ان اكون مثل الرئيس الراحل جمال عبد الناصر و الابطال الزين قاتلو فى حرب اكتوبر بسبب شدة حبهم لمصر واحب ان تكون مصر متقدمة فى كل المجالات مثل السياسة و الاقتصاد والسياحة والثقافة والعلم و الفن والرياضة وغيره

    ردحذف
  2. على فكرة انا من اقارب ادهم الشرقاوى حفيدة عمه الذى ذكر فى القصة انه قتل ولكن عائلتى منذ اكثر من 90 سنة من سكان الشرقية بعدما تركوا المنوفيةولايزال لنا اقارب فى المنوفية لاتجمعنا بهم الا المآتم والافراح فقط

    ردحذف
  3. انتوم حيرتونه معاكم ادهم كان مجرم ولابطل

    ردحذف
  4. احنا فى زمن الفتنه مش عارفين راسنا من رجلينا

    ردحذف
  5. من الطبيعى ان المجله فى عصر الاحداث تكتب ان ادهم كان مجرم امال حيبرروا قتله بايه؟ ولا المجله حتقول أدهم كان بطل والانجليز خونه وقتلوه!

    ردحذف
  6. مصر في تلك الفترة كانت محتلة من طرف الانجليز و المصريين الذين كانو يعملون في حكومة الاحتلال هم عملاء لهذا من الطبيعي الصحافة في تلك الفترة تنشر المعلومات التي تعطيها لهم سلطة الاحتلال التي كانت تشوه صورة اي مقاوم مصري مثل ادهم الشرقاوي الذي جعلو منه سارق و هذا شيئ طبيعي كل سلطات الاحتلال تقوم بتشويه المقاوميين مثلا ثوار الجزائر كانت الصحافة الاحتلال الفرنسي تصفهم بقطاع الطرق و الخارجين عن القانون و الارهاب لكن بعد الاستقلال عرفهم الشعب انهم ابطال و ثوار نفس الامر بالنسية للمقاومين في مصر بعد خروج الانجليز ظهرت الحقيقة اما الصحافة فهؤلاء طول عمرهم كلاب السلطة سواء كانت استعمارية او لا ينشرون دائما ما يملئ عليهم

    ردحذف